في الاونة الاخيرة وخاصة بعد انتشار فايروس كورونا منذ شهر شباط 2020 نسمع أراء مختلفة بين الحين والاخر وأغلبها على شكل انتقادات توجه الى القرارات الصادرة من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في اقليم كوردستان العراق فيما يخص كيفية التعامل مع التحديات وتوقعات الطلبة وتخفيف مخاوفهم، وقد يرجع هذه الانتقادات لخصوصية وأهمية هذه الوزارة لكون قراراتها تمس بشكل مباشر بمستقبل آلاف الطلبة المسجلين في الجامعات الحكومية والاهلية، وبالتالي قد تكون مثل هذه القرارات لا تزول آثارها بسهولة مع مرور الزمن ولا تدخل ضمن طي النسيان لكون لها أبعاد كثيرة منها خارجية كتقييم المؤسسات الدولية لجودة الخدمة التعليمية على سبيل المثال لا الحصر.
ولا يختلف اثنان بأن هذه المؤسسة (وزارة التعليم العالي) تأخذ حيزاً كبيراً من الاهمية لكونها الجهة التي عادة لا تصدر قرارات الا بعد دراسات مستفيظة وفهم عميق وتخطيط سليم للحالة او الموضوع التي هي بصددها لكون جميع الجامعات والمراكز البحثية في الاقليم تقع تحت اشرافها المباشر وكلها تمثل منابع للعلم والمعرفة والتطور في المجتمع، وكلها مؤسسات تمثل واجهة لتقديم الاستشارات الى باقي الدوائر والجهات الحكومية وغير الحكومية التجارية أو الخدمية منها، وكيف لا تعمق في قراراتها خاصة فيما اذا كان الموضوع تخص شريحة الطلبة وتمس العملية التعليمية والصحة العامة كالحالة النادرة والاستثنائية التي تواجهه الاقليم والعالم حالياً بسبب جائحة كورونا (COVID-19).
فالاسئلة المطروحة هنا: هل كانت وزارة التعليم العالي في اقليم كوردستان على بينة لما يدور في المؤسسات الاكاديمية العالمية اثناء أزمة كورونا؟ أو هل ان قرارات الوزارة كانت مركزيا أم تصدر بالتشاور مع الجامعات والمؤسسات المختصة أو الاستعانة بالخبرات والمختصين؟ أو هل قامت الوزارة باتخاذ القرارات بعد دراسة وتقييم الواقع الصحي من خلال الاعتماد على الاحصائيات والبيانات؟ أو هل أن الوزارة كان على إلمام كامل بالخطوات المطلوبة للحفاظ على استمرارية العملية التعليمية والاكاديمية والبحثية وضمان جودتها؟ أو هل كانت الوزارة على دراية لنقاط الضعف والخلل لدى الكادر التدريسي من ناحية المهارات التكنولوجية المطلوبة أو بظروف الطلبة وامكانياتهم المادية والمالية أو البنية التحتية والفوقية للجامعات والمؤسسات الاكاديمية؟ وهل بذلت الوزارة الجهود المطلوبة لتجاوز العراقيل أو على الاقل الحد وتقليل الاثار السلبية لنقاط الضعف الواردة في الاسئلة السابقة؟ وبالاخير هل أن الوزارة كانت تقوم بمراجعة سياساتها وقراراتها بناء على المعطيات الجديدة خلال فترة أزمة كورونا ولحين صدور تعليماتها الاخيرة فيما يخص التقييم الاخير للسنة الدراسية 2019-2020؟ وبشكل عام هل أن قرارات وتعليمات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي كانت منسجمة بشكل عام مع الواقع والظرف الحالي؟.
وبالتأكيد فالاجابة يكون ايجابياً على التساؤلات السابقة من منظور أنه كانت لدى قيادة الوزارة بدءاً من شخص الوزير (د. أرام محمد) وطاقمه الوزاري رؤية واستراتيجة واضحة المعالم منذ بداية شهر أذار (2020) بحيث تم تسخير جميع امكانيات الوزارة لتجنب ضياع السنة الدراسية من طلبة الاقليم، وبدأ العمل على قدم وساق بالاعتماد على إحدى أهم وأفضل نظريات القيادة وهي النظرية الظرفية لفريد فيدلر، وهذه النظرية اعتبرت بأن القادة الفعّالين يغييرون أساليب قيادتهم لمناسبة الوضع والاعتماد على مبدأ التكيف والتأقلم مع المواقف المختلفة، وهذا ما لاحظناها في تعامل الوزير مع التغيرات الحاصلة اثناء جائحة كرونا، ويمكن القول أيضاً في حالة عدم استخدام وزير التعليم العالي مبادىء النظرية الظرفية لكان القرار أشبه بالقرار الصادر في زمن عبدالكريم قاسم في أيلول (1959) بجعل جميع الطلبة ناجحين الى المرحلة التالية وعلى جميع المستويات وجعلها سنة عدم رسوب تحت تسمية (قرار الزحف)، والتي بقيت نقطة سوداء في تاريخ التعليم في العراق.
وعلى هذا الاساس أصدرت الوزارة التعليمات الخاصة بالتقييم النهائي للسنة الدراسية (2019-2020) في خمسة صفحات في الكتاب المرقم (5324) بتاريخ 1/6/2020 والتي أصبحت خارطة الطريق للجامعات والمعاهد الحكومية والاهلية من خلال مصادقة (22) اسبوعاً من الدوام الفعلي و(4) أسابيع للتعليم الالكتروني كمكمل باستخدام التقنيات الجديدة والتطبيقات الرقمية الحديثة لضمان استمرارية المحاضرات وعدم توقف التعليم، وبذلك يكون نسبة تغطية للمادة العلمية تتجاوز (80%)، وشملت التعليمات أيضاً كيفية اجراء التقييم النهائي وتوزيع الدرجات وطريقة تقييم مشاريع التخرج للطلاب المرحال المنتهية مع توفير الحرية للاقسام العلمية في الجامعات لاختيار الالية التي تنسجم مع خصوصية القسم وطبيعة المقررات فيها.
في الختام، نقول بانه ما زال هناك مشاكل متبقية لم تحل لحد الان كبحوث التخرج التطبيقية والتخصصات العلمية التي تحتاج الى التواجد الميداني في المختبرات، إلا ان هذه المشاكل تتشابه على مستوى أغلب الانظمة التعليمية في العالم، ومع ذلك فان قرارات وزارة التعليم العالي في اقليم كوردستان خلال فترة كورونا أثبت كفاءتها وقدمت دليلاً ملموساً في اتباعها النظرية الظرفية في ادارة التعليم العالي مما جعلتها كحاضنة للقرارات المنسجمة مع الواقع باستخدام التكنولوجيا الحديثة والتطبيقات الرقمية الجديدة لضمان استمرارية العملية التعليمية، مما دفع الجامعات والمؤسسات الاكاديمية الى تكيف نفسها وتهيئة الارضية المطلوبة خلال مدة (15) يوماً فقط والتي قد يستغرق سنوات في أحسن الاحوال في الظروف الاعتيادية. وبهذا فان قرارات الوزارة قدمت الامل في التعليم لكون هذه الحالة كانت جديدة على الجميع، ولم يكن مألوفاً على أحد كيفية مواجهته بالشكل المطلوب، ولذلك فان على الوزارة ان تحافظ على أسلوبها في الاعتماد على النظرية الظرفية في ادارة شؤونها في المستقبل لكي يتأقلم وينسجم مع الاحداث الاستثنائية والفريدة وما تفرزه من معطيات جديدة على أرض الواقع مع اعطاء مساحة للمراجعة الشاملة وتقييم البرامج والقرارات والتعليمات الوزارية السابقة كضرورة في رفع أداء راس المال البشري في الجامعات والمؤسسات الاكاديمية وتحديث الطرق المستخدمة في تطبيق منهجية ونمط التعليم.